الشغف.. دليلك نحو الإتقان

بقلم: علياء سلطان

في يومنا هذا أصبح الكثير من الناس لديهم وعي بأهمية الإتقان، ويسعون بجهد كبير ليصلوا لمرحلة الاتقان، ولكن القليل منهم يصل لهذه المرحلة!
ومن هنا نستنتج العديد من التساؤلات: لماذا هم قلة الذين يصلون لمرحلة الاتقان؟ وكيف وصلوا لتلك المرحلة؟ ولماذا لا يكفي الجهد للوصول إلى مرحلة الاتقان؟
ومثل هذه التساؤلات كانت تستثير تفكير الكاتب الشهير "روبرت غرين" لذلك قام بدراسة العديد من المتقنين ولكل منهم عمله وزمانه وظروفه المختلفة .. ووجد بينهم جميعا نقطة مشتركة وهي كونهم شغوفين!
الشغف بشكل عام هو ما يستهوينا، ويجعل في داخلنا رغبة دائمة في ممارسته فمهما كان ذلك الشغف متعبا سيظل ذلك الشغوف يستمتع به. في أحد المقابلات للأمير وولي العهد محمد بن سلمان أجاب عن طريقة اختياره لفريقه: "بتوفر الكفاءة والقدرة ...وكل هذه الأساسيات، ولكن الأهم من ذلك المسؤول الشغوف...".
لماذا الشغف أهم من الكفاءة والقدرة؟
الكفاءة والقدرة يمكن اكتسابهما أما الشغف لا يمكن اكتسابه؛ والشخص الشغوف بعمله يقدّر عمله هذا، ويجعله جزءا من شخصيته؛ وبالتالي يسعى دائما لتطويره، ولكسب الكفاءة والقدرة اللازمة لإنجازه مما يؤدي لإتقانه.
إن الفرق بين الشخص الشغوف وغير الشغوف هو أن الشخص الشغوف يستمتع بعمله؛ لأنه عندما يعمل يغذي ذلك الشغف النابع من ذاته -أي أنه يعمل لنفسه- وهذا الكلام قد يفسر مقولة ليوناردو دافنشي: "لا يوجد اتقان أصغر أو أكبر من إتقان المرء لنفسه".
السؤال هنا: إن كان الشغف هو الطريق نحو الاتقان ما الذي يمنع الناس من السير خلال هذا الطريق؟
هناك العديد من الاسباب، ومن أبرزها الضغط الاجتماعي سواء كان ذلك الضغط يسري من العائلة والأقارب كتوجيه الابن نحو الطب أو الهندسة لما تتمتع به هذه التخصصات من مستوى مرموق في المجتمع، أو من خلال المعلمين كأن يبدأ الطالب بكُره مادةٍ معينه واستصعابها لكون المعلم لم يتقن شرحها أو لم يتمتع بأسلوب المعلم اللين بالتالي يتفادى الطالب دخول جميع التخصصات التي قد تتطرق فيه تلك المادة، أومن خلال الإعلام كتوجيه الطلبة نحوي اختيار التخصصات الأكثر طلبا في سوق العمل؛ وكل هذا يحدث دون تقدير رغبات الفرد، أو حتى دون معرفة نقاط قوته وضعفه وهذا قد يجعله يتبع رغبات الآخرين سواء كان مدركا لذلك أولم يدرك.
هناك العديد من الأشخاص يفسر الضغط الاجتماعي على أنه الرأي السائد ومن الصحيح اتباعه، ولكن إن أمتعنا النظر في هذه الآية، ولقوله تعالى: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا] {الاحزاب:67[. ومن هنا نستنج أن إتباع الرأي السائد ليس صحيح دائما-ولوكان يوجهنا دائما نحو الأصح لما وجد التميز.
إن الحل الوحيد للتخلص من ذلك الضغط الاجتماعي أن يتوقف الإنسان عن النظر إلى الخارج، وينظر لأعماقه -ليعطي نفسه الفرصة لاكتشاف ذاته؛ لمعرفة ميوله ورغباته ونقاط قوته وقدراته وكما يقول كونفوشيوس: "إن الشيء الذي يبحث عنه الإنسان الفاضل موجود في ذاته، أما الشيء الذي يبحث عنه الإنسان العادي فهو موجود عند الآخرين". ولعل هذا هو السبب الذي جعل العديد من خبراء اكتشاف الشغف يوجهون الناس للبحث عن ما كان يستهويهم عندما كانوا أطفالا؛ وذلك لأن الطفل يفعل ما يحب دون التفكير في إن كان الأمر الذي يفعله جيد أولا، ولا يفكر في إرضاء أحد بل يفعل ما يفعله  لأنه يسعده فقط؛ إن اكتشاف الشغف ليس سوى مسمى آخر لاكتشاف الذات، وللأسف أن هناك الكثير من الناس  يستهينون  بذواتهم مما يجعلهم يفكرون أنهم لا يمتلكون شغفا!
يقول رالف والدو أمر سون : " كل ما يوجد أمامنا، وكل ما يوجد في غير متناولنا-شيء بسيط جدا للغاية إذا ما قورن بما يوجد في أعماق أنفسنا".
إذا لا يوجد إنسان غير شغوف، بل يوجد إنسان يجهل ما بداخله- والأهم من ذلك أنه قد ينسى أنه من خلق رب عظيم وأن الله قد فضله وميزه عن جميع خلقه.
اكتشاف الشغف ليس حدث، بل رحلة قد تكون هذه الرحلة طويلة وقد تكون منهكة، ولكن عند اكتشاف ذلك الشغف ستبدأ المتعة لتجعل شغفك الدليل الحقيقي نحو الإتقان.


المراجع:
تم استعمال مصادر موثقه لكتابة هذا المقال:
•    كتاب روبرت غرين ( الاتقان) .
•    كتاب رحلة الشغف
•    كتاب البرمجة اللغوية العصبية للدكتور ابراهيم الفقي (الاتصال بالذات)