من تواصل جيد إلى حياة هادئة

بقلم: علياء سلطان

إن بناء تواصل جيد بالآخرين يعتبر من أساسيات النجاح؛ فإذا رأيت أي شخص ناجح سترى أنه يمتلك علاقات عامة وواسعة وقوية، وربما قد تكون سلكت نفس الطريق الذي سلكه وبمجهود مضاعف؛ ومع ذلك لم تصل للنجاح الذي وصل إليه!
وقد تقول إن السبب هو كونه محظوظ بينما هو في الحقيقة لديه قدرة كبيرة على بناء تواصل جيد مع الآخرين وهذا سر نجاحه من بعد توفيق الله.
في الواقع لا تكتمل سعادة أي إنسان إن لم يستطع تكوين أتصال جيد بالآخرين فحياة الشخص مربوطة بمن حوله سواء أراد ذلك أو لم يرد ذلك، وعن طريق بناء تواصل جيد بالآخرين نستطيع تكوين حياة مسالمة لنا.  ولكن كيف ذلك؟ فقط ركز معي خلال الأسطر القادمة فقد حان الوقت لعيش حياة هادئة.
إن بناء تواصل جيد بالآخرين يتعلق بك أنت أكثر مما يتعلق بالآخرين وذلك لأن الإنسان مهما فعل لا يستطيع تغيير الآخرين والدليل على ذلك لقوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} إذا فقط كل إنسان يستطيع تغيير نفسه، فعن طريق تغيير نظرتنا للأمور وأسلوبنا مع الآخرين نستطيع الوصول إلى تواصل جيد وذلك عن طريق تطبيق الآتي:


أولا: ركز على النية التي في عمق الرسالة لا على السلوك:
يعني لاتضع تركيزك على أفعال وسلوك الشخص الآخر بل ضع تركيزك على النية التي تكمن في الرسالة المخفية خلف كل سلوك، مثلا: الطفل عندما يريد لفت انتباه والديه يبدأ بالصراخ والبكاء وربما يقوم بتكسير بعض مزهريات المنزل؛ بالتأكيد الطفل لا يتعمد إزعاج والديه واذيتهما لأنه ما يزال طفلاً!
في الحقيقة إنه يريد قول: "أنا بحاجة المزيد من الاهتمام" ولكن بطريقة غير مباشرة، السلوك هنا سلوك سيء وهو -الصراخ وتكسير مزهريات المنزل- النية هنا طيبة -يريد فقط لفت انتباه والديه- الرسالة هي -أنا بحاجة المزيد من الاهتمام- وهذا ما يجب التركيز عليه النية والرسالة؛ في الواقع نحن نكبر ولكن هذا الطفل الذي يصرخ يبقى بداخلنا فنحن نتصرف على هذا النحو في كثير من الأحيان وأغلب هذه الأحيان لا نكون مدركين لذلك.
إذاً مهما كان سلوك الشخص الذي أمامك يبدو سيئا احرص على توجيه تركيزك على الرسالة التي يريد ايصالها لك فمن هنا تستطيع فهم الشخص الآخر، والوصول إلى حل فعلي ينتهي بتواصل جيد بين الطرفين- والذي قد يعينك على ضبط نفسك هو معرفة أنه توجد نية طيبة وراء كل سلوك.
قبل العديد من السنوات عندما كنت في المرحلة المتوسطة كنا نقف في الطابور الصباحي وهناك بدأت تتكلم المرشدة الطلابية: لقد وجدت سارقة أغراضكم بالأمس يمكنكم الاطمئنان الآن وترك حقائبكم دون حراستها..  للأسف لم ينته كلام المرشدة على هذا النحو فقد وصفت الفتاة على أنها سيئة وأن والديها أيضا سيئان لأنهما لم يتمكنا من تربيتها! وأنهت حديثها بالتهديد حيث إن من يسرق سيتعرض لعقوبات صارمة من قبل الادارة؛ من الجيد أن المرشدة الطلابية لم تذكر اسم الطالبة-مع أن اسمها قد كان يتم تداوله بين الطالبات خلال الطابور الصباحي- عندما سمعت باسم الفتاة تفاجأت فنفس هذه الفتاة وقبل العديد من السنوات أيضا في المرحلة الابتدائية قد رأيتها وهي تلتقط بقايا الطعام من الأرض وتتناولها خفية! لقد كانت في كل يوم تنتظر ذهاب الجميع لتأكل من بقايا طعامهم!
المغزى هنا أنني بنيت إدراكا سلبيا عنها في البداية مثلي مثل الجميع، ولكن بعدما عرفت من تكون تغيرت نظرتي لها تماما إلى نظرة تتعاطف معها أكثر من نظرة تحكم عليها بالسوء لأنني أعلم حقيقتها وهي أنها قد قاومت السرقة مطولا فلماذا كانت تقوم بالتقاط الطعام من الأرض وأكله بينما كان بإمكانها السرقة؟!
 لذلك إن كنت تعتقد أنك تعرف الشخص جيدا وقد كونت نظرتك عنه فأتمنى أن تعيد النظر لأنه يبقى هناك ما تجهله دائما- إن صنفنا السلوك هنا فهو السرقة وهو (بالتأكيد سلوك سيء) ولكن إن أعدنا النظر للنية فإن النية هنا هي أريد أن أشبع، والرسالة هنا أنا شخص محتاج للطعام، إذا يمكن الاتفاق مع قول أرسطو عندما قال: "أعتقد أن الهدف وراء كل علم وكل تساؤل، وكذلك كل نشاط ومواظبة، هو قصد الخير".

ثانيا: تحكم بتركيزك لا تجعله يتحكم بك:
في القصة السابقة أريدك أن تنظر إلى تركيز المرشدة الطلابية نحو الطالبة التي قامت بالسرقة، وضعت تركيزها هنا حول صفة واحدة من صفات الطالبة، وبالتأكيد أن تلك الطالبة كانت تمتلك المزيد من الصفات مثلها مثل أي إنسان سواء كانت سيئة أو جيدة وبسبب تركيز المرشدة نحو صفة واحدة جعلها (تلغي) بقية الصفات وتدخل أيضا هنا فيما يسمى (التعميم) حيث إن صفة واحدة أصبحت تعبر عن الفتاة أي أنها هي السيئة ولم ينته التعميم هنا، بل حتى عائلتها أصبحت سيئة. مثل هذا الالغاء والتعميم يحدث معنا وبشكل يومي والسبب الرئيسي في طريقة توجيه تركيزنا الخاطئة فقد نظلم أنفسنا قبل ظلم الآخرين وذلك لعدم قدرتنا على التحكم بتركيزنا.

ثالثا: تأكد من أن إدراكك يسير في الاتجاه الصحيح:
إن إدراكنا للأمور في العادة ما يبنى على تجارب ومواقف سابقة تراكمت في العقل اللاواعي وعن طريقه تكونت بعض البرامج وهذه البرامج نستعملها دائما في الحكم على الآخرين ومن ثم نحدد طريقة التعامل معهم. مثلا: قد تعلق على موضوع ما أو تقول شيئا مضحكا فيضحك معك شخص ما، وعند تكرار نفس الشيء مع شخص آخر قد يغضب إذا ما السبب في اختلاف ردة فعل الشخصين مع أنك استعملت التعليق نفسه معهما؟!
السبب هو الإدراك أي أن الشخص الأول قد تكون له إدراك مسبق من موقف سابق أن ما تقوله مضحك ام الآخر العكس. إذا ما الحل للتأكد أن ما ندركه هو الصحيح وليس سوى برمجة في عقولنا من مواقف سابقة، الحل هو أن تتعامل مع الموقف وكأنك لست فيه أخرج نفسك من الموقف، وتخيل الموقف امامك مره أخرى انتقد نفسك وانتقد الشخص الآخر والآن ضع نفسك في مكان الشخص الآخر وحاول عيش مشاعره حتى تتكون لك صورة أوضح من وجهة نظره، وهكذا قد تكونت لك ثلاث تصورات من نفس الموقف. التصور الأول: من جهتك، والتصور الثاني: من جهة شخص خارج الموضوع، والثالث: من جهة الشخص الآخر، ومن هنا يمكنك اصدار احكام منصفة.  

رابعا: كن الشخص الأكثر مرونة لتسيطر على الموقف:
ومن الدراسات التي قد توضح أهمية المرونة الدراسة التي وضع فيها الباحثون فأرا في متاهة وفي نهايتها وضعوا قطعة من الجبن. فاستعمل الفأر حاسة الشم للتحرك في المتاهة حتى وصل إلى الجبن، وكرر الباحثون هذه التجربة لمدة أسبوع، وفي نهايته قاموا بتغيير مكان الجبن، وكان الفأر يتجه لنفس المكان الذي اعتاد عليه للحصول على الجبن، ولكن في هذه المرة لم يجد شيئا. وبعد محاولات عديدة باءت بالفشل تأقلم الفأر مع الموقف الجديد وبدأ بالبحث بدلا من التوجه إلى المكان القديم، وفي الناهية أستطاع الوصول لقطعة الجبن. في بعض الأحيان نحاول ونحاول الاتفاق مع شخص ما مرارا وتكرار، ولكن في الأخير تنتهي محاولاتنا بالفشل؛ وذلك لأننا لا نغير الوسيلة أو الاسلوب الذي نستعمله للتواصل مع الشخص الآخر نبقى متصلبين ونكرر نفس الطريقة بينما نتوقع نتائج مختلفة! لذلك عندما تختلف مع شخص آخر أو لا تستطيع الوصول إلى اتصال جيد به غير الوسيلة والاسلوب اتبع طرائق جديدة في كل مرة الى أن تصل لمرادك فقد تحل مشكلة أثرت عليك على مدار السنين الفائتة فقط إن تمتعت بمثل هذه المرونة.

خامسا: حول الجدال إلى حوار مثمر:
أ- شارك الشخص المتصلب برأيه:
تضعنا الحياة في مواقف نطر فيها لأقناع بعض الناس بأمر ما، ولكن قد يكون هذا الشخص متكبرا ومتمسكا برأيه فمهما جربت من وسائل وطرق يبقى متصلبا ومتحفظا برأيه، إذا ما الحل؟ أولا شارك الشخص في رأيه أخبره أنك مع تلك الفكرة- اذهب باتجاهه أن لم تستطع جره إلى ناحيتك- ثم أخبره بما تفكر فيه وتأكد أنه فهم ما تعنيه أنت، وبعد ذلك اطلب رأيه وهنا تكون قد أخرجت الشخص الآخر من حالة التكبر والتصلب بالرأي ويمكنك بناء حوار ناجح واتصال مثمر.
ب- اعترف بأخطائك-بطريقة مباشرة- واياك أن تقول أنت مخطأ إلا بطرق غير مباشرة:
إن كنت مخطئً فاعترف بأخطائك للشخص فورا لأن هذه الطريقة هي الأقوى مفعولا لتكون عنك صورة الشخص الصادق والواضح في نظر الشخص الآخر ثم يأتي بعد ذلك الاعتذار- أما إن كان الشخص الآخر هو المخطئ فستبدأ أولا بمدحه وتقديره بما هو أفضل ما فيه (بالصدق) ثم قم بالتحدث عن أخطائك المقاربة لخطائه قبل أن تبدأ بانتقاده، ثم ابدأ بقول الطلب الذي تريده أيا كان، ولكن عن طريق الأسئلة لا الأوامر، وأخيرا امنح الشخص سمعة جيدة ليصل اليها مثلا: إنني أعلم أنك تمتلك القدرة على إنجاز أعمالك في الوقت المحدد. وانتبه من تذكير الشخص بأخطائه فذلك لن يؤدي إلا للمزيد من النتائج السلبية.

سادسا: اجعل الجيد غير عادي:
من العادي أن يبادلك أحد الاحترام، ومن العادي أن يساعدك شخص ما، ومن العادي أن تعامل بلطف، ولكن من غير العادي أن يرفع أحد ما صوته عليك. يا للأسف هذا ما يحدث، فأغلب الناس لا يقدر مثل هذه التصرفات الجميلة، ولكن يعظم التصرفات السيئة ولحسن الحظ لاتزال هناك بعض التفاصيل الصغيرة ذات عمق كبير في أثر الآخرين يمكن استعمالها لبناء اتصال جيد بالآخر:
أ- ابتسم دائما في وجه الناس، فالابتسامة هي كدعوة لبناء اتصال جيد بالشخص الآخر.
ب- نادِ الناس بأسمائهم، إن مناداتك لأسم الشخص أثناء الحديث يعطيه المزيد من الأريحية ويجعله يشعر بأنك تعرفه جيدا وهنا احذر! عليك معرفة، وحفظ، ونطق اسم الشخص الآخر جيدا مثلا: اسم الزهراء عادة ما ينطقه الناس (زهرا) بدون نطق الألف في أوله والهمزة في آخره.
ج- تحدث مع الشخص بما يتوافق مع اهتماماته، مثلا: إن كان من اهتماماته القراءة فتحدث معه عن ذلك.
د- انصت جيدا، في بعض الأحيان قد لا يريد منك الشخص الآخر سوى أن تستمع له حتى إن كنت لا تمتلك أي حلول له.
أنت لا تستطيع التحكم بالآخرين ولكن تستطيع مجاراتهم بأسلوبك؛ لذلك إن كنت تريد إحداث أي تغيير في حياتك وحياة من حولك أعلم أن هذا التغيير يبدأ من داخلك.
إذا الكل قادر على بناء اتصال جيد بالآخر يكفي أن يريد ذلك، ويبدأ بتغيير تصرفاته وأفكاره وأسلوبه اتجاه الآخرين لينعم بحياة ناجحة وهادئة يتخللها فيضان من السعادة.

----------------
المراجع:
-    كتاب البرمجة اللغوية العصبية (للدكتور ابراهيم الفقي).
-    كتاب HOW TO WIN FRIENDS & INFLUENCE PEOPLE (للكاتب DALE CARNEGIE).