قال الله عز وجل: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) وقال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر منه ما لا يجتهد في غيره».
أعمال رمضان
الصيام
علينا أن نستقبل رمضان بالتوبة من كل ذنب وبتصفية القلب الذي هو محل نظر الله، فبادروا الى التوبة والعمل الخالص لله الذي لا يكون إلا بالنية الخالصة له عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات»، وعلينا إتقان العمل ومن قياس الاتقان حسن النية. وهناك خمسة أعمال لقياس الإتقان، وهي: النية وصيام الجوارح واتباع السنة والصبر. أما صيام الجوارح، فقد قال عنه صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، وقال صلى الله عليه وسلم: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر».
ويقول الإمام الغزالي: «وللصوم ثلاث مراتب: صوم العموم وصوم الخصوص وصوم خصوص الخصوص، فأما صوم العموم فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة، وأما صوم الخصوص فهو كف النظر واللسان واليد والرجل والسمع وسائر الجوارح عن الآثام، وأما صوم خصوص الخصوص فهو صوم القلب عن الهمم الدنيئة، والأفكار المبعدة عن الله تعالى، وكفه عما سوى الله تعالى بالكلية».
الصلاة
ومن قياس الاتقان في الصلاة أداؤها في وقتها وإتمام أركانها وشروطها وواجباتها والخشوع فيها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منكم من يصلي الصلاة كاملة، ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع حتى بلغ العشر»، ويقول ابن تيمية في «الفتاوى»: فقد قال تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين)، وهذا يقتضي ذم غير الخاشعين.
وأوضح ابن القيم مراتب الناس في الصلاة: والناس في الصلاة على مراتب خمس:
الاولى: مرتبة الظالم لنفسه المفرط وهو الذي انتقص من وضوئها ومواقيتها وحدودها وأركانها، فالقسم الأول معاقب.
الثانية: من يحافظ على مواقيتها وحدودها وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة فذهب مع الوساوس والأفكار، والثاني محاسب.
الثالثة: من حافظ على حدودها وأركانها وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوه لئلا يسرق صلاته، فهو في صلاة وجهاد، والثالث مكفر عنه.
الرابعة: من إذا قام إلى الصلاة أكمل حقوقها وأركانها وحدودها واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها لئلا يضيع شيئا منها، بل همه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي وإكمالها وإتمامها، قد استغرق قلبه شأن الصلاة وعبودية ربه تبارك وتعالى فيها، والرابع مثاب.
الخامسة: من اذا قام الى الصلاة قام اليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربه، عز وجل، ناظرا بقلبه اليه، مراقبا له، ممتلئا من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلت تلك الوساوس والخطوات وارتفعت حجبها بينه وبين ربه، فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم مما بين السماء والأرض، وهذا في صلاته مشغول بربه، عز وجل، قرير العين به، والخامس مقرب من ربه.
فمن قرت عينه بصلاته في الدنيا قرت عينه بقربه من ربه، عز وجل، في الآخرة، وقرت عينه أيضا به في الدنيا، ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين.
الصدقة
ولقياس الإتقان في أعمال رمضان أن تؤدي الصدقة بإخلاص لا رياء ولا منّ ولا أذى وأن تتحرى الطيب والجيد والمفيد ومن أحب الأموال إيصالها لمستحقيها.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة صدقة في رمضان». أخرجه الترمذي عن أنس.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فطّر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا». أخرجه الترمذي عن أنس.
الدعاء
ولمراعاة آداب الدعاء يجب التذلل والخشوع بين يدي الله، وخفض الصوت.
قال تعالى: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون- البقرة: 186).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر». صحيح الألباني- صحيح الجامع 3030.
قراءة القرآن
ومن الأعمال في رمضان قراءة القرآن وتلاوته بتدبر وفهم وحب وتطبيق لما تعلمناه. قال سبحانه: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان- البقرة: من الآية 185). وكان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان. وينبغي للمؤمن أن يتلو كتاب الله وخاصة في شهر رمضان بتدبر، وأن يرتله ترتيلا، وإذا مر بآية الجنان سألها الله، عزّ وجلّ، وإذا مر بآية النيران استعاذ بالله منها.
العمرة
يجب أداء العمرة في شهر رمضان وكأنها أول عمرة تؤديها بإقبال على الله مع استحضار أجر العمرة. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة» أخرجه البخاري ومسلم.
وفي رواية لمسلم: «عمرة في رمضان تعدل حجة معي». وهذا دليل على أن العمرة في رمضان لها مزية عن العمرة في غيره من الشهور، فإذا ذهب الإنسان الى مكة في رمضان وأحرم للعمرة وأداها فإنه يحصل له هذا الثواب العظيم الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وهنيئا له بما يعدل حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ليلة القدر
وعلينا تحري ليلة القدر وإحياؤها بالعبادة. قال الله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر- القدر: 1-5). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم» رواه ابن ماجة.
وقال صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» أخرجه البخاري ومسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانا واحتسابا، غفر له ما تقدم من ذنبه» اخرجه البخاري ومسلم. وقال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما- الفرقان: 63- 64).
قال صلى الله عليه وسلم: «من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» رواه اهل السنن.
الاعتكاف
ومن أعمال رمضان الاعتكاف، وهو قطع العلائق بالخلائق والتفرغ لخدمة الخالق ولو يوما واحدا بقطع كل اتصال بالبشر والتفرغ لعبادة الله والأنس به.
قال تعالى: (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركّع السجود- البقرة: 125). وعن عائشة- رضي الله عنها- قالت: «ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عزّ وجلّ ثم اعتكف ازواجه من بعده». وقال الزهري- رحمه الله: «عجبا للمسلمين! تركوا الاعتكاف، مع ان النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عزّ وجلّ».